باسم الله الرحمن الرحيم ..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ...
أما بعد ؛
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
*
كان الجميع يتعجب من مقدرتها على البقاء وحدها مدة طويلة، وكيف أنها لا تشعر بالملل وهي لا تكاد تفارق غرفتها ومكتبتها...
كثيرا ما كانوا يحثونها على الخروج لتروح عن نفسها ... وما دروا أنها وإن كانت ساكنة الجسد إلا أن روحها وفكرها نادرا ما كانا يستقران في مكان ....
لطالما كانت تشد الرحال إلا ذكريات الطفولة ...
كم كانت ترتمي بين أحضانها ... وتأسرها نسائمها العذبة النقية البريئة ...
لكأنها كانت وقد سرق الشباب طفولتها تخشى أن يسرق منها بعضا من براءتها وقلبها المغمور بالأمل والعطاء...
هناك بين حدائق الطفولة كانت ترتوي من طهرها ما يجعلها تقوى على مواجهة عواصف الشباب ورعود الحياة...
هناك كانت تتزود بقناديل من الحب والايمان ... ما يجعلها تحسن السير في سبل ضبابية قد شوهتها أطماع البشر ....
وحين ينهكها الترحال للحظات...كانت تهفو روحها إلى ذكرياتها مع أمها ...
هناك حيث كانت تتوسد صدرها الحنون وتسترخي على نغمات صوتها الشجي الذي لطالما فاض عطفا ...
ويمر الوقت سريعا ليتسلل الليل...
وتحت وشاحه كانت تخفي دموع الشوق للأحبة، الذين خطفهم الموت، ودموع التوبة من ذنوب قد شوهت قلبها ...
الليل ...
ذلك الصديق الذي لطالما أخفى بهدوئه وسكونه أناتها ومشاعرها وأحلامها ومناجاتها ....
فيه كانت تسامر أحبابها ... وتنفخ الروح في ذكرياتها معه كي تأنس بهم ...
تعلمت ... أن تعود نفسها على فقد أحبتها ... فهكذا هي سنة الحياة ...
ففي لحظة ما ... قد تفقد أقرب شخص إلى القلب ... وتنتهي صلتك به ...
وحين تنهكك الصدمة ... نمد يديك إلى حبل الذكريات ... تتمسك به بشدة ... بقدر ألمك لفقدانه...وبقدر فقدان الأمل في عودته وقد واراه الثرى...
ترى هل يكون الفراق بالموت فقط ...؟؟؟
تثبت لنا الحياة ... أن ألم الفراق لا يكون فقط بالموت ...
وقتها قد تتساءل ... ترى أيهما أشد أن تفارق من تحب بالموت أم أن تفارقه بالحياة ...؟؟
مهما كانت الاجابة وقتها ... يظل الألم هو قلبها النابض...
نرحل أحيانا عن من نحب أويرحلون عنا ... ونرفع راية الشوق .... ولا يسكن ذلك الألم النابض إلا دعوة لهم بظهر الغيب ...
ومع سكون الليل وابحارها على سفينة الذكريات ... تسدل أجفانها لتستفيق عند بزوغ فجر يوم جديد ...
هناك ترتسم على شفتيها ابتسامة أمل ...
ها قد بزغ فجر يوم جديد ... قد بدد ظلام الليل ...
ويوما ما سيبدد نور اللقاء ظلمة الفراق ...
وعسى يكون اللقاء حينها تحت ظل عرشه عز وجل وفي أعلى جناته ...
تجمع نفسها و تنفض عنها وشاحها ...
هيا قومي يا فتاة... واحمدي الله ...
من حسن حظك أن لديك ذكريات جميلة ...