المحبة كما قال ابن القيم : المحبة لا تُحَدُّ ـ أي لا يذكر لها تعريف ـ إذ هي أمر ينبعث بنفس يصعب التعبير عنه .
ثم المحبة لها جوانب ، منها : محبة الاستلذاذ بالإدراك ، كحب الصور الجميلة والمناظر والأطعمة والأشربة ، تلك محبة فطرية ، أو تكون محبة بإدراك العقل ، وتلك المحبة المعنوية التي تكون لمحبة الخصال الشريفة ، والأخلاق الفاضلة ، والمواقف الحسنة ، وهناك محبة لمن أحسن إليك ولمن قدم لك معروفا ، فتنبعث المحبة حينئذ لتكون ضربا من ضروب الحمد والشكر ، فينبعث الثناء بعد ذلك ترجمة لها وتوضيحا لمعانيها .
قال النووي رحمه الله في كلمة جميلة : وهذه المعاني كلها موجودة في النبي صلى الله عليه وسلم لما جمع من جمال الظاهر والباطن ، وكمال الجلال ، وأنواع الفضائل وإحسانه إلى جميع المسلمين بهدايته إياه إلى الصراط المستقيم ، ودوام النعم والإبعاد من الجحيم ، فإن نظرت إلى وصف هيئته صلى الله عليه وسلم فجمال ما بعده جمال ، وإن نظرت إلى أخلاقه وخلاله فكمال ما بعده كمال ، وإن نظرت إلى إحسانه وفضله على الناس جميعا وعلى المسلمين خصوصا فوفاء ما بعده وفاء .
فمن هنا تعظم محبته صلى الله عليه وسلم ويستولي في المحبة على كل صورها وأعظم مراتبها ، وأعلى درجاتها ، فهو صلى الله عليه وسلم الحري بأن تنبعث محبة القلوب والنفوس له في كل لحظة ، وفي كل تقلبات حياتنا ؛ ولذلك ينبغي أن ندرك عظمة هذه المحبة ، وهنا وقفة نتمم بها هذا .
فنحن نتعلق ونرتبط برسول الله صلى الله عليه وسلم من جوانب شتى : في جانب العقل معرفة وعلما ، نقرأ ونحفظ سيرته وحديثه وهديه وسنته ، والواجب منها والمندوب منها ونحو ذلك ومحبة بالقلب وهي عاطفة مشبوبة ، ومشاعر جياشة ، ومحبة متدفقة ، وميل عاصف تتعلق به النفس والقلب برسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لما فيه من المعاني الحسية والمعنوية .
ثم محبة بالجوارح تترجم فيها المحبة إلى الاتباع لسنته وفعله عليه الصلاة والسلام ، فلا يمكن أن نقول إن المحبة اتباع فحسب فأين مشاعر القلب ؟ ولا يصلح أن نقول إنها الحب والعاطفة الجياشة ، فأين صدق الاتباع ؟ ولا ينفع هذا وهذا فأين المعرفة والعلم التي يؤسس بها من فقه سيرته وهديه وأحواله عليه الصلاة والسلام ؛ لذا فنحن نرتبط في هذه المحبة بالقلب والنفس ، وبالعقل والفكر ، وبسائر الجوارح والأحوال والأعمال ، فتكمل حينئذ المحبة ؛ لتكون هي المحبة الصادقة الخالصة الحقيقية العملية الباطنية ، فتكتمل من كل جوانبها ؛ لنؤدي بعض حق رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا